يكشف جبل جيلو في جنوب شرق تركيا، ثاني أكبر موطن للأنهار الجليدية في البلاد بعد جبل أرارات، عن مشهد صارخ لتسارع التغير المناخي. فقممه التي كانت مكسوة بالثلوج على ارتفاع 4135 متراً، بدأت تنحسر عاماً بعد عام، كاشفةً صخوراً لم ترَ الشمس منذ قرون.
العوامل المسببة متعددة، من ارتفاع درجات الحرارة الناتج عن الوقود الأحفوري، إلى توسّع الأنشطة البشرية والسياحة التي سهّلتها الطرق الحديثة، وكلها ساهمت في تسريع الذوبان. وبحسب البروفيسور أونور ساتير، فقد فقد جبل جيلو نحو 50% من غطائه الجليدي خلال 40 عاماً، وهو معدل أسرع مما كان متوقعاً.
تركيا التي عانت في السنوات الأخيرة من موجات حر وجفاف وحرائق قياسية وصلت فيها الحرارة أحياناً إلى 50.5 درجة مئوية، ليست استثناءً عالمياً. فوفق تقارير الأمم المتحدة، تواجه الأنهار الجليدية حول العالم خطر الزوال خلال القرن الحادي والعشرين، مما يهدد إمدادات المياه لمئات الملايين.
ويحذر الخبراء من أن وتيرة الذوبان تختلف حسب كتلة الجليد؛ فكلما تقطّعت الكتل وتجزأت، تسارعت عملية الذوبان. هذا ما يجعل مستقبل أنهار جبل جيلو هشاً بشكل خاص، على الرغم من تحويل المنطقة إلى متنزّه وطني عام 2020، وما تبشر به من فرص سياحية.
لكن الصورة الكبرى أكثر صعوبة: تقارير المناخ تتوقع ارتفاع الحرارة في تركيا بمقدار 5 إلى 6 درجات مئوية بحلول نهاية القرن، مع انخفاض الأمطار بمقدار الثلث، ما يعني أن 88% من أراضي البلاد مهددة بالتصحر.
وعلى المستوى العالمي، سجّلت الأنهار الجليدية بين عامي 2022 و2024 أكبر خسارة في كتلتها على الإطلاق، حيث يذوب اليوم أكثر من 275 ألف نهر جليدي يختزنون ما يقرب من 70% من المياه العذبة على الأرض.
ذوبان جبل جيلو ليس مجرد مشهد محلي، بل جرس إنذار عالمي بأن الكوكب يفقد ببطء خزائنه الجليدية التي تحفظ التوازن المناخي والمائي للبشرية.